هدية الملك


كان يا ما كان في قديم الزمان، ملك رءوف رحيم يحكم مملكة واسعة فيها سكان كثر وأنواع عديدة من الحيوانات والأسماك والطيور. كان الملك يحب الطيور وتغريدها أكثر من أي شيء آخر، وكان يلجأ إلى حديقة في قصره مليئة بالأشجار والزهور حيث يتمتع بمشاهدة الطيور والاستماع إلى زقزقة العصافير وتغريد البلابل وهديل الحمام. اختلفت أنواع الطيور كثيرا، إذ كان لون البعض منها بلون الرماد أو التراب، والبعض الآخر بألوان ساطعة من الأصفر والأحمر والأزرق، لكن الملك اعتنى بكل الطيور بنفس المحبة والكرم ولم يفرق بينها.

كان كل نوع يغرد لحنا مختلفا فريدا وابتهج الملك بكل صوت. لذلك أصدر مرسوما ملكيا يعد فيه أنه سيدفع مبلغا هائلا مقابل أي طير من نوع جديد لم يسبق أن أتى إلى حديقته من قبل.

في يوم من الأيام، أتى ابن سبيل إلى العاصمة وتقدم إلى الوزير، قائلا: "رأيت في بلد بعيد طيرا فريدا غير معروف في مملكتكم له تغريد جميل رفيع نادر وهو مبهج ورائع المنظر، له ريش متعدد الألوان." تحقق الوزير مع ابن السبيل ليتأكد من الطريق إلى مكان تواجده واكتشف أن تاجرا شريرا في إحدى مدن مملكة أخرى كان يملكه وقد وضعه في قفص رفيع مصاغ بالذهب الصافي. كان التاجر أبا لابن متمرد،  يأتي إلى قفص الطير ويخيفه ويضرب القفص فقلما سمع الناس تغريده إلا بالليل. أعطى الوزير مكافأة لابن السبيل وأعلم الملك بخبر الطير فحزن الملك وعزم على شرائه وإنقاذه. فكلف الملك وزيره بمهمة الذهاب إلى تلك المملكة لشراء الطير. تموَّن الوزير واصطحب حراسا وركب حصانا قويا وسافر إلى تلك البلد مع كيس كبير من الذهب، إذ كان الملك مستعدا أن يدفع مهما كلف الأمر.

بعد مرور شهرين، رجع الوزير مع الطير في قفصه المتألق اللامع. لم يرض التاجر أن يبيع الطير بدون القفص، وطلب سعرا عاليا جدا.

استلم الملك القفص من الوزير برقة وأخذه إلى حديقته الخضراء حيث سبق أن أعدّ له مكانا خاصا لكي يسمع تغريد الطيرالمتعدد الألوان، فعلق القفص في وسط الطيور الأخرى. ثم فتح باب القفص الصغير وتركه، إذ رأى الملك أنه يرتجف خوفا عند اقترابه.

بمرور الأيام هدأ الطير ولم يعد يخاف، إذ كانت الحديقة مكانا آمنا سالما ولم يخِفه أحد، بل كان الملك يكلم الطيور واحدا واحدا بصوت ناعم، وكانت الطيور تأتي إلى يده فيطعمها بلطف. عندئذ كانت الطيور تغرد أحلى ألحانها. كانت الطيور جميعا تخرج من أقفاصها وتطير بحرية وتدخلها من جديد حين أرادت ذلك، كانت تغرد بسعادة للملك.
                                                                                                                                                                                      
بعد فترة من الزمن قام كناري سعيد بزيارة الطير. دخل القفص من الباب المفتوح وجثم قرب الطير الملون، وأخذ يتحدث حول أمور الحياة في الحديقة. أعجب الكناري بالقفص من الداخل ووعاء الطعام والمرآة. ثم أخبره الكناري بالامتياز الأكبر في كل الحديقة: أكل البذور من يد الملك الرؤوف نفسه. رغم هذا، اختار الطير البقاء في قفصه لوحده. ثم تحادثا حول الباب المفتوح. رغب الطير التعرف على ما هو خارج قفصه في الحديقة، لكنه لم يتجرأ على الخروج، إذ كان أجداده يترعرعون ضمن أقفاص وبدا له أنهم كانوا سعداء.

فسر الكناري بصبر أن الملك بكرمه قد أعطى للطير حرية الخروج من قفصه والطيران في الهواء الطلق، بل حتى أكل الحبوب من يد الملك، وطمأنه حول نية الملك الصالحة مذكرا إياه بالسعر الباهظ الذي دفعه الملك لشرائه وجلبه إلى حديقته لإنقاذه من المعاملة السيئة التي كان يلقاها.

مر الملك بالقفص الذهبي يوما بعد يوم وعرض يده للطير الملون. اشتاق إلى معرفته وإطعامه شخصيا، لكن الطير المتعدد الألوان كان يخاف من الأمور غير المألوفة لديه. كان الملك لطيفا مؤدبا وما كان ليجبر الطير على الخروج من القيود التي عرفها وقد تعوّد عليها، فترك الباب مفتوحا وانتظر بصبر حتى يقرر الخروج والطيران بنفسه. أراد رغب الملك له أن يختبر الحرية والفرح اللذين وضعهما أمامه.

طالت السنين وزار الكناري السعيد الطير الملون مرارا عديدة وأخبره عما يحدث خارج قفصه، لكن الطير ظل ضمن قفصه كأنه سجين، واكتفى بنظرات خاطفة إلى الملك اللطيف. وظل الباب الذهبي الصغير للقفص ... مفتوحا.

بقلم منيرة